"إسـتـشـراق" أم "اسـتـغـراب" ؟
 
 

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

عـنـدمـا دخـلـت مـقـتـنـيـات الـمـسـتـشـرق الألـمـاني الـكـبـيـر فـريـدريـش سـار Friedrich Sarre (1865ــ 1945) * في مـتـحـف بـرغـامـون  Pergamonmuseum  في بـرلـيـن، لـتـكـوّن نـواة مـتـحـف الـفـنّ الإسـلامي  Museum für Islamische Kunst فـيـه، كـان مـن بـيـنـهـا لـوحـة زيـتـيـة عـلى قـمـاش رسـمـهـا الـفـنّـان الـتّـركي عـثـمـان حـمـدي بـك ** عـام 1888، عـنـوانـهـا : "بـائـع الـسّـجـاد الـفـارسي Der Persische Teppichländer".
 
وقـد تـأثّـر عـثـمـان حـمـدي بـك خـاصّـة بـلـوحـات الـفـنّـان الـفـرنـسي جـان لـيـون جـيـروم  J.-L. Gérôme  الّـذي كـان قـد درس الـفـنّ عـلى يـديـه وارتـاد مـرسـمـه في بـاريـس. ولا أعـتـقـد أنـني أحـتـاج إلى أن أذكّـركـم بـأهـمـيـة جـان لـيـون جـيـروم بـيـن فـنّـاني الـحـركـة الإسـتـشـراقـيـة الأوربـيـة.
ورسـم عـثـمـان حـمـدي بـك عـلى طـريـقـة أسـتـاذه مـشـاهـد "شـرقـيـة" سـحـرت مـحـبي الـفـنّ الأوربي في ذلـك الـزّمـن بـغـرابـة أجـوائـهـا وبـاخـتـلاقـاتـهـا الـخـيـالـيـة.
 
ولـكـنـنـا عـنـدمـا نـقـف أمـام لـوحـة مـتـحـف بـرلـيـن نـلاحـظ شـيـئـاً مـخـتـلـفـاً. وربّـمـا كـان هـذا مـا دفـع فـريـدريـش سـار لـشـرائـهـا. فـمـا يـجـذب أنـظـارنـا فـيـهـا لـيـس بـائـع الـسّـجـاد الـمـنـتـصـب في جـانـبـهـا الأيـمـن، ولا شـريـكـه الـجـالـس بـجـانـبـه فـقـد تـعـوّدنـا عـلى رؤيـة الـمـئـات مـن أمـثـالـهـمـا في الـلـوحـات الإسـتـشـراقـيـة، ولـكـنّ أنـظـارنـا تـنـجـذب نـحـو يـسـار الـلـوحـة، نـحـو الـعـائـلـة الأوربـيـة الـغـريـبـة في هـذا الـمـكـان،
 
 
بـالـرّجـل الأشـقـر الـجـالـس عـلى مـصـطـبـة شـديـدة الـعـلـو "تـدنـدلـت" مـنـهـا سـاقـاه، وعـلى رأسـه قـلـنـسـوة مـمـا كـان يـضـعـه "الـمـكـتـشـفـون" عـنـدمـا يـسـتـطـلـعـون أدغـال أفـريـقـيـا الـمـتـشـابـكـة الـنـبـاتـات، وشـدّ بـقـبـضـتـيـه عـلى مـظـلّـة سـوداء أسـنـدهـا عـلى فـخـذيـه. ولا شـكّ في أنّـه كـان يـسـاوم الـبـائـع لـلـحـصـول عـلى الـسّـجـادة بـأرخـص مـا يـمـكـنـه ! ووقـفـت بـجـانـبـه زوجـتـه الـمـنـتـصـبـة بـتـشـنّـج لـتـظـهـر هـيـبـتـهـا ووقـارهـا، بـمـلابـس مـتـنـوّعـة الـزّرقـة مـن قـبـعـتـهـا وشـالـهـا إلى ثـوبـهـا الـطـويـل الّـذي يـخـفي قـدمـيـهـا وبـمـظـلـتـهـا الّـتي يـتـكئ ذراعـاهـا عـلـيـهـا، وتـبـدو وكـأنّـهـا تـنـصـت لـلـدّلـيـل الـواقـف وراءهـا يـتـرجـم لـهـا ولـزوجـهـا مـا كـان يـسـتـعـصي عـلـيـهـمـا فـهـمـه. وتـقـدمـت ابـنـتـهـمـا الـشّـقـراء الـصـغـيـرة لـتـنـظـر إلى الـسّـجـادة الـغـامـقـة الألـوان الـمـلـقـاة عـلى الأرض.

ويـتـوسّـط بـيـاض ثـوب الـطّـفـلـة وحـمـرة قـبـعـتـهـا وحـذائـهـا جـزئي الـلـوحـة : ألـوان الـجـانـب الأيـمـن الـزّاهـيـة والـمـضـيـئـة، الـحـمـراء والـخـضـراء والـصّـفـراء، وألـوان الـجـانـب الأيـسـر الـكـامـدة، الـبـنّـيـة والـزّرقـاء والـرّمـاديـة.
 
 
وقـد اخـتـار عـثـمـان حـمـدي بـك لـتـكـويـن لـوحـتـه خـطّـاً مـتـمـوّجـاً يـخـتـرقـهـا أفـقـيـاً، يـبـدأ إذا مـا قـرأنـاهـا مـن الـيـسـار إلى الـيـمـيـن، وهـو مـا يـفـعـلـه الـمـشـاهـد الأوربي، بـانـحـنـاءة ظـهـر الـدّلـيـل ويـصـعـد إلى طـربـوشـه الـدّاكـن الـحـمـرة لـيـنـزل قـلـيـلاً نـحـو قـبـعـة الـمـرأة الأوربـيـة ثـمّ يـنـزل مـن جـديـد نـحـو ظـهـر زوجـهـا الـمـنـحـني ويـتـسـلّـقـه حـتّى قـمّـة قـلـنـسـوتـه لـيـنـزلـق بـعـد ذلـك عـلى صـدره وذراعـه الأيـسـر وسـاقـيـه وإلى قـبـعـة ابـنـتـه الـحـمـراء ويـسـقـط عـلى الـسّـجـادة الـمـلـقـاة عـلى الأرض. ثـمّ يـصـعـد مـن جـديـد نـحـو الـرّجـل الـمـلـتـحي الـجـالـس وإلى أعـلى عـمـامـتـه ثـمّ يـدّ الـبـائـع الـيـمـنى وذراعـه الأيـمـن لـيـتـسـلـق إلى أعـلى عـمـامـتـه الـرّصـاصـيـة ويـنـزل مـن وراء ظـهـرة وذراعـه الأيـسـر إلى الـسّـجـادة الّـتي يـحـمـلـهـا ويـصـدم بـالـسّـجـادة الـحـمـراء الـمـنـزلـقـة مـن الـشّـبـاك.

ونـلاحـظ أن الـحـركـة بـدأت بـطـيـئـة في الـجـانـب الأيـسـر مـمـا أضـفى عـلى الـخـطّ الـمـتـمـوّج كـثـيـراً مـن الـتّـصـلّـب بـيـنـمـا اشـتـدّت وتـسـارعـت في الـجـانـب الأيـمـن وجـعـلـتـه أشـدّ حـيـويـة.
 
 

ولأنّ هـذا الـخـطّ الـمـتـمـوّج تـرك فـراغـاً في وسـط الـتّـكـويـن فـقـد مـلأه الـفـنـان بـطـاقـة ضـاع أعـلاهـا في خـارج الـلـوحـة وضـع فـيـهـا ثـلاث قـطـع نـفـيـسـة مـن أهـمـهـا إنـاء مـرتـفـع مـن الـخـزف الـصّـيـني يـقـابـل بـيـاضـه ورسـومـه الـزّرقـاء ثـوب الـطّـفـلـة الأبـيـض. وبـهـذا تـوصّـل عـثـمـان حـمـدي بـك إلى احـتـرام قـواعـد الـفـنّ الـكـلاسـيـكي بـتـشـكـيـلـه لـهـرم يـنـزل مـن أعـلى الإنـاء نـحـو الـجـانـبـيـن. ونـحـن نـعـرف أنّـه لا يـمـكـن لـفـنّـان إهـمـال الـتّـكـويـن الـهـرمي عـنـدمـا يـريـد رسـم لـوحـة تـحـتـرم قـواعـد الـفـنّ في صـيـغـتـه الـكـلاسـيـكـيـة.

لـوحـة "اسـتـشـراقـيـة" أم "اسـتـغـرابـيـة" ؟

قـرأت مـراراً عـنـد الـبـاحـثـيـن الأوربـيـيـن أنّـنـا لـم نـهـتـم بـمـعـرفـة الآخـريـن، ولـم نـكـوّن مـعـارف خـاصّـة بـنـا عـن الـغـرب مـثـلاً، بـيـنـمـا اهـتـمّ الأوربـيـون بـمـعـرفـة الـشّـرق. ونـتـج عـن ذلـك عـنـدهـم تـكـويـن حـركـة عـلـمـيـة هي الإسـتـشـراق، بـدأت مـنـذ الـقـرن الـثّـاني عـشـر ودرسـت لـغـات الـشّـرق ونـشـرت مـخـطـوطـاتـهـا بـعـد أن اخـتـرعـت الـمـطـبـعـة وتـرجـمـت أغـلـبـهـا. ودرس الـمـسـتـشـرقـون إلى جـانـب لـغـات الـشّـرق آدابـه وتـاريـخـه وأديـانـه ومـعـتـقـداتـه.

ولا شـكّ في أنّ مـن يـتـهـمـونـنـا بـذلـك مـصـيـبـون فـيـه إلى حـدّ مـا، فـنـحـن لا نـجـد إلّا الـقـلـيـل جـدّاً مـن الـمـعـلـومـات الّـتي كـتـبـت عـن أوروبـا في الـلـغـات الـشّـرقـيـة. ولـم يـنـطـلـق تـجّـارنـا إلـيـهـا لـيـكـسـبـوا أسـواقـهـا، ولا الـكـثـيـر مـن رحّـالـتـنـا لاكـتـشـاف غـرائـبـهـا وعـجـائـبـهـا إلّا في الـقـلـيـل الـنّـادر.

ولـم يـمـسّ الـفـنّ عـنـدنـا كـلّ الـطّـبـقـات الإجـتـمـاعـيـة أو عـلى الأقّـل الـطّـبـقـة الـمـتـوسّـطـة مـنـهـا كـمـا حـدث في أوربـا مـنـذ الـقـرن الـخـامـس عـشـر، عـنـدمـا خـرج مـن قـصـور الـطّـبـقـة الأرسـتـقـراطـيـة ومـن الـكـنـائـس وأمـاكـن الـعـبـادة لـيـدخـل بـيـوت الـنّـاس الـعـاديـيـن وحـتّى الـبـسـطـاء مـنـهـم. ولـهـذا لـم يـذهـب فـنّـانـونـا إلى أوربـا لـيـصـوروا غـرابـة أشـكـال سـاكـنـيـهـا وطـرق حـيـاتـهـم. وعـلـيـنـا أن نـنـتـظـر بـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن وإرسـال بـعـض طـلـبـتـنـا إلى مـدارس الـفـنّ في أوربـا لـيـرسـمـوا بـعـض الـلـوحـات عـنـهـا، والّـتي بـقـيـت في غـالـبـيـتـهـا بـعـيـدة عـن الـجـمـهـور الـواسـع.

ونـجـد اسـتـثـنـاءات نـادرة في الـنّـصـف الـثّـاني مـن الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر، فـقـد سـافـر بـعـض الـرّوّاد إلى أوروبـا، مـثـل الـبـغـدادي إسـكـنـدر سـانـدور زفـوبـودا (1) أو الـتّـركي عـثـمـان حـمـدي بـك.

ولا شـكّ في أنّـهـم صـوّروا مـشـاهـد أوربـيـة لـم يـهـتـمّ الـجـمـهـور الـشّـرقي بـهـا، أو أهـتـمّ بـهـا بـعـضـهـم وضـاعـت مـع مـا ضـاع مـن مـقـتـنـيـاتـهـم. ولـهـذا كـرّسـوا كـلّ جـهـودهـم لـرسـم مـشـاهـد "شـرقـيـة" جـلـبـت لـهـم الـشّـهـرة ودرّت عـلـيـهـم الأربـاح الـمـادّيـة. واخـتـاروا لـذلـك أغـرب مـا يـمـكـن مـن صـور الأشـخـاص وأعـجـب الـمـشـاهـد لـيـشـبـعـوا فـضـول الأوربـيـيـن.

وقـد أثـارت لـوحـة عـثـمـان حـمـدي بـك، "بـائـع الـسّـجّـاد الـفـارس"، دهـشـتـي عـنـدمـا رأيـتـهـا، فـمـوضـوعـهـا الـرّئـيـسي، كـمـا سـبـق أن رأيـنـا، لـيـس بـاعـة الـسّـجـاد "الـشّـرقـيـيـن" وإنّـمـا الـعـائـلـة الأوربـيـة الـشّـديـدة الـغـرابـة في هـذا الـجـوّ "الـشّـرقي".

وكـان يـمـكـنـهـا أن تـكـون لـوحـة "اسـتـغـرابـيـة" لـو كـانـت قـد رسـمـت لإشـبـاع فـضـول الـشّـرقـيـيـن، ولـو اشـتـراهـا واحـد مـنـهـم أو عـلّـقـت في مـتـحـف مـديـنـة شـرقـيـة. ولـكـنّ مـسـتـشـرقـاً ألـمـانـيـاً اشـتـراهـا، ثـمّ وضـعـهـا بـعـد ذلـك في مـتـحـف ألـمـاني لـيـشـاهـدهـا جـمـهـور أوربي. وبـهـذا ضـاعـت فـرصـة مـن فـرص الـبـدء بـتـكـويـن حـركـة "اسـتـغـرابـيـة" في الـفـنّ.

ولـم يـكـن ذلـك مـمـكـنـاً عـلى كـلّ حـال لـقـلّـة تـغـلـغـل الـفـنّ في حـيـاة أجـدادنـا ولـقـلّـة اهـتـمـام أغـلـبــهـم، وحـتّى الـمـتـعـلـمـيـن والـمـيـسـوريـن مـنّـهـم، بـه. ولا أظـنّ أن الأمـر قـد تـغـيّـر في أيّـامـنـا هـذه.

والأدهى مـن ذلـك والأمـرّ أنّ بـعـض الأغـنـيـاء مـن أهـل الـشّـرق الـحـديـث يـضـعـون في دورهـم "الـحـديـثـة" نـسـخـاً مـقـلّـدة مـن لـوحـات "اسـتـشـراقـيـة" رسـمـهـا الـفـنّـانـون الأوربـيـون "الـمـسـتـشـرقـون" عـن "غـرابـتـنـا"  و"تـخـلـفـنـا" مـقـارنـة بـ "تـقـدّم" حـيـاتـهـم في أزمـانـهـم !

 

تـكـمـلـة :

أكـمـل الـكـلام عـن فـريـدريـش سـار وعـن عـثـمـان حـمـدي بـك لـمـن يـودّ مـعـرفـة الـمـزيـد عـنـهـمـا.

       فـريـدريـش سـار  Friedrich Paul Theodor SARRE  :

 
      ولـد في بـرلـيـن سـنـة 1865. وقـد جـذبـتـه دراسـة الآثـار مـنـذ مـطـلـع شـبـابـه وبـدأ يـهـتـم بـآثـار الأنـاضـولـيـا، وسـافـر في 1895 لـدراسـة آثـارهـا، ثـمّ وسـع أهـتـمـامـه في 1896 إلى مـنـاطـق أخـرى في آسـيـا الـصـغـرى، ثـمّ إلى بـلاد فـارس وتـركـسـتـان .

  وفي 1899 عـرض في بـرلـيـن الـقـطـع الـفـنـيـة الّـتي كـان قـد جـمـعـهـا في الـشـرق، ثـمّ عـرضـهـا في مـعـرض الـفـنّ الإسـلامي في بـاريـس في 1903. كـمـا شـكـلّـت هـذه الـمـجـمـوعـة نـواة مـتـحـف الـفـنّ الإسـلامي  Museum für Islamische Kunst، الّـذي افـتـتـح في الـجـنـاح الـجـنـوبي مـن مـتـحـف بـرغـامـون  Pergamonmuseum  في بـرلـيـن. وقـد عـيّـن فـريـدريـش سـار مـديـراً لـه.

 
          نـشـر في 1899 كـتـابـاً عـن أراضي الـشّـرق ومـن بـيـنـهـا بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن وعـن سـكّـانـهـا :

Transkaukasien- Persien- Mesopotamien- Transkaspien. Land und Leute, Berlin 1899.

 
ونـقّـب، بـيـن عـامي 1911 و 1913، مـع إرنـسـت هـيـرتـزفـيـلـد Ernst HERZFELD   في سـامـراء. وكـانـت تـنـقـيـبـاتـهـمـا مـن أولى الـتّـنـقـيـبـات الـعـلـمـيـة لـلآثـار الإسـلامـيـة، ونـشـر مـعـه  كـتـابـاً في أربـعـة أجـزاء :  "رحـلـة آثـاريـة إلى بـلاد دجـلـة والـفـرات"

Archäologische Reise im Euphrat und Tigris- Gebet, 4 volumes, Berlin 1911- 1920.

 
            وتـوفي فـريـدريـش سـار  سـنـة 1945.



           عـثـمـان حـمـدي بـك :
 
ولـد عـثـمـان حـمـدي بـك في إسـطـنـبـول سـنـة 1842، و كـان أبـوه، إبـراهـيـم أدهـم بـاشـا، قـد درس في أوربـا واكـتـسـب ثـقـافـة حـديـثـة ثـمّ اشـتـغـل بـالـسّـيـاسـة وعـيّـن في مـنـصـب الـصّـدر الأعـظـم في زمـن الـسّـلـطـان عـبـد الـحـمـيـد الـثّـاني.
ورغـم أنّ مـواهـب عـثـمـان الـفـنّـيـة ظـهـرت في مـطـلـع صـبـاه فـقـد دفـعـه أبـوه لـدخـول مـدرسـة الـحـقـوق (مـعـارف ي عـدلـيـة) في إسـطـنـبـول، ثـمّ أرسـلـه بـعـد تـخـرّجـه مـنـهـا لـيـكـمـل دراسـتـه في بـاريـس.

وقـد اغـتـنـم عـثـمـان وجـوده في بـاريـس لـيـتـابـع دروس رسـم في مـحـتـرفـات فـنـانـيـن مـعـروفـيـن، وخـاصّـة جـان لـيـون جـيـروم         Jean-Léon Gérôme، الّـذي كـان مـن ولا شـكّ مـن أشـهـر فـنّـاني الـمـدرسـة "الإسـتـشـراقـيـة".

وتـزوّج عـثـمـان بـفـرنـسـيـة اسـمـهـا مـاري أنـجـبـت لـه ابـنـتـيـن. وعـاشـا مـعـاً عـشـر سـنـوات قـبـل أن يـطـلـقـهـا. وقـد فـتـح عـثـمـان في بـاريـس مـحـتـرفـاً وشـارك في مـعـارضـهـا واكـتـسـب بـعـض الـشّـهـرة.

وبـعـد أن أكـمـل دراسـة الـحـقـوق، وكـان في الـسّـابـعـة والـعـشـريـن مـن عـمـره، عـاد إلى تـركـيـا وانـخـرط  في الـسّـلـك الـدّبـلـومـاسي وأصـبـح مـن كـبـار مـوظـفي الـبـاب الـعـالي.

وقـد عـيّـن مـسـؤولاً عـن الـشّـؤون الـخـارجـيـة لـولايـة بـغـداد في زمـن الـوالي مـدحـت بـاشـا. وهـنـاك تـفـحّـص الـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة الّـتي كـانـت تـجـري في الـعـراق وبـدأ يـهـتـمّ بـالـتّـاريـخ الـقـديـم وبـعـلـم الآثـار. 

وأرسـل عـام 1875 كـمـسـؤول عـن الـجـنـاح الـعـثـمـاني في مـعـرض فـيـيـنـا الـعـالـمي في الـنّـمـسـا، وهـنـاك الـتـقى بـفـتـاة فـرنـسـيـة أخـرى في الـسّـابـعـة عـشـرة مـن عـمـرهـا، اسـمـهـا مـاري هي الأخـرى. وتـزوّجـهـا وأنـجـبـت لـه أربـع بـنـات.

وقـد قـام عـثـمـان حـمـدي بـك بـتـنـقـيـبـات أثـريـة تـرأسـهـا في صـيـدا، لـبـنـان، وأزاح الـتّـراب عـن عـدد مـن الـتّـوابـيـت الـفـيـنـيـقـيـة الـحـجـريـة الـمـنـحـوتـة. كـمـا عـثـر عـلى مـا يـعـرف بـ "تـابـوت الإسـكـنـدر".

وقـد شـرع عـام 1881 بـإنـشـاء مـتـحـف افـتـتـح عـشـر سـنـوات بـعـد ذلـك، وعـيّـن مـديـراً لـه. كـمـا أنـشـأ مـقـابـل مـتـحـفـه مـعـهـد فـنـون جـمـيـلـة أسـمـاه "مـكـتـب الـصّـنـائـع الـنّـفـيـسـة". كـمـا عـهـد إلـيـه بـإدارة تـنـقـيـبـات أثـريـة آ أخـرى.

واكـتـسـب عـثـمـان حـمـدي بـك شـهـرة فـنّـيـة عـالـمـيـة عـنـدمـا بـدأت لـوحـاتـه تـعـرض، مـنـذ بـدايـة ثـمـانـيـنـات الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر في صـالـونـات بـاريـس وفـيـيـنـا ومـيـونـخ ولـنـدن وإسـطـنـبـول الـفـنّـيـة. وقـد تـحـوّل مـنـزلـه الـصّـيـفي في (جـيـزي اسـكـيـهي) إلى مـتـحـف فـنـون جـمـيـلـة عـام 1987.

وتـوفي عـثـمـان حـمـدي بـك سـنـة 1910.

(*)  
يـمـتـلـك مـتـحـف أورسـيـه في بـاريـس لـوحـة لـه عـنـوانـهـا : "رجـل عـجـوز أمـام قـبـور أطـفـال"، 1903.  

كـمـا اشـتـرى مـتـحـف الـلـوفـر، أبـو ظـبي لـوحـة لـه عـنـوانـهـا : "أمـيـر يـدرس". وقـد تـرجـم الـعـنـوان إلى "أمـيـر شـاب مـنـكـبّ عـلى الـدّراسـة"، 1878،  زيـت عـلى قـمـاش، 45×90 سـم.

.

. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  أنـظـر مـقـالي الـمـنـشـور في مـدونـة "الـمِـلـوَنـة" : "فـنّـان بـغـدادي مـن الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر لا يـتـذكّـره أحـد" https://almilwana.blogspot.com/2015/04/3-1.html

 

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

إسـتـثـمـار عـرق الـسّـوس في الـعـراق في نـهـايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر وبـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن

مـهـنـد الـنّـاصـري في حـدائـق كـلـود مـونـيـه